جدد العلامة الشيخ يوسف القرضاوي رئيس الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين التأكيد على أن «تحقيق الحرية مُقدَّم على تطبيق الشريعة الإسلامية».
ونبه لخطورة إهمال الناس للحرية وترك الحكام يأكلون حقوق الناس ويستبيحون أعراضهم ويسفكون دماءهم.
وشدد الشيخ القرضاوي على ضرورة تثقيف الأمة بحقوقها.
وطالب باستثمار الثورات التي هبت في عدد من الدول العربية واعتبرها «أمانة في أعناق جيلنا».
وقال: «لا يجوز أن نضيع ما جاءت به الثورات من معان وقيم ونرجع لما كنا عليه».
وتابع: «لا بد أن نحافظ على مواريث الثورات التي أحيت الأمة من جديد».
جاء ذلك في كلمة ألقاها في ندوة بعنوان (العلاقة بين الحاكم والمحكوم) التي نظمها الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين مساء أمس الأول بمركز «فنار».
وتحدث في الندوة د. علي القرة داغي الأمين العام لاتحاد العلماء ود. محمد المسفر أستاذ العلوم السياسية بجامعة قطر، وأدارها رفيق عبد السلام، وشهدها عدد قليل من الدعاة والباحثين والكتاب والأكاديميين.
وحمل الشيخ القرضاوي بشدة على «الثقافات الميتة» التي وقفت في وجه الثورات، وقصد بها آراء العلماء الكبار -في مناصبهم- والسلفيين المتعصبين باسم القرآن والسنة والاتباع والصوفية، الذين عارضوا ثورات الشعوب واعتبروها خروجا على تعاليم الإسلام.
وأبدى دهشته من توافق الصوفية والسلفيين على معارضة الثورات رغم اختلافهما فقهيا وفكريا.
وانتقد مواقف المؤسسة الدينية الرسمية التي اعتبرت ثورة الشباب «فتنة»، ووصفت القائمين بها بأنهم «دعاة فوضى وخارجين على الحاكم».
ووصف الشيخ القرضاوي معارضة بعض العلماء للثورات بأنها «ثقافة مسمومة ومضللة ومحرَّفَة».
وأكد أن ما تقوم به الشعوب المظلومة والمقهورة من ثورات على الحكام الظلمة من «صميم الدين الحق».
ونبه إلى أن الإسلام يأمر بمجاهدة الظلمة داعيا إلى تربية الأمة على كيفية الوقوف ضد الظلمة.
واعتبر استمرار قيام الثورات في عدد من الدول الإسلامية بداية لانتشار ثقافة «لا» ضد الظلم والقهر.
ودعا رئيس الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين لفهم أعمق وأشمل للأحاديث النبوية التي تدعو لطاعة الحاكم طاعية عمياء. مطالبا بثقافة شرعية سياسية تضبط علاقة الحاكم بالمحكومين.
وشكك في صحة الأحاديث التي تدعو لعدم الخروج على الحاكم حتى لو ضرب المحكومين على ظهورهم.
وقال: «لا طاعة لحاكم يتجاهل مرجعية القرآن». ودعا د. القرضاوي لتغيير بعض الثقافات الخاطئة التي رسخت في المجتمعات المسلمة كالاعتقاد بأن الدولة الإسلامية دولة دينية. مشيرا إلى خطأ الاعتقاد بأن الدولة الإسلامية لا بد أن تكون دينية.
ورأى أن الدولة الإسلامية «دولة مدنية شُورية بمرجعية إسلامية».
وقال: «المسلمون لا يعرفون شيئا اسمه الدولة الدينية المشهورة في زماننا بالدولة الكهنوتية أو الثيوقراطية».
ولفت إلى أن الدين أحد مقاصد الشريعة الخمسة: «الدين والنفس والنسل والعقل والمال»، موضحا أن الدين جزء من خمسة أجزاء تكوِّن الشريعة الإسلامية.
ونفى أن تكون الشريعة الإسلامية متحجرة، مؤكدا أنها تقوم على العدل والإحسان والشورى.
وهنأ الشيخ القرضاوي الحضور بما هيأ الله للأمة من الثورات الشعبية التي أيدها الله عز وجل بروح من عنده وحققت نصرا لم يكن يحلم به أحد بتلك السرعة.
وتمنى أن يتحقق النصر الثالث في ليبيا عن قريب بعد نصر تونس ومصر «ألا إن نصر الله قريب». وذكر أن موضوع السياسة في غاية الأهمية. وعلق على تساؤل بعض الناس: أيهما أهم الفكر أم السلوك؟ وهل أزمة العالم في الأفكار أم الأخلاق؟
وقال إنه ليس ممن ينزعون إلى التفسير الواحد للتاريخ والسلوك. ويفضل أن يشرك أكثر من دافع وأكثر من أمر في التفسير.
وأوضح أن السياسة لها أهميتها، خصوصا في عصرنا، حيث أصبحت الدولة تتمكن من حياة الناس، مستشهدا بقول برتراند راسل: (إن من خصائص هذا العصر سيطرة الدولة على كل نواحي الحياة)، وبقول علماء السلف: «لو كانت لي دعوة مستجابة لدعوتها للسلطان، فإن الله يصلح بصلاحه خلقا كثيراً».
وعرج فضيلته على ما يحدث في عدد من الدول العربية من ثورات، مبينا أن الاهتمام بها يأتي في سياق الاهتمام بالسياسة.
وأقسم الشيخ القرضاوي أمام الحضور بأنه لم يكن يتوقع في حياته أن تقع ثورات كالتي حدثت بمصر وتونس وتحدث في ليبيا.
وقال: «أمتنّ لله سبحانه وتعالى وأحمده، وأعتبر هذه الأيام أياماً للحمد والشكر». واعتبر تلك الثورات الرائدة والقائدة والمعلمة دليلا على استيقاظ الأمة من نومها، وحياة من مواتها، واجتماع من شتاتها.
وأشار إلى أن ثورة مصر ليست مجرد ثورة، وإنما هي إحياء وإيقاظ لأمة. ونبه إلى أن إرادة الله عز وجل شاءت ألا تنتصر ثورة مصر بسرعة، وأن تستمر 18 يوما حتى يكون لها أثرها في بعث أمة جديدة، تورث الشعب وتورث الحياة قيما جديدة وسلوكيات ومفاهيم جديدة، تجسدت في التآلف والوحدة والحرص على النظام والنظافة والصلاة في جماعة، والإيثار والتآخي والتضحية بالذات من أجل الجماعة. وأشاد بتعاون الثوار المسلمين مع غير المسلمين حتى أصبحوا كتلة واحدة.
تغيير ثقافات خاطئة
وعاب الشيخ القرضاوي على الذين يعتبرون الديمقراطية كفرا بزعم أنها تقوم على حكم الشعب لا حكم الله. وأوضح أنها تعني حكم الشعب في مقابلة حكم الفرد.
وأوضح أن مقصد الشورى التي يدعو لها الإسلام تقوم على كراهية الجبابرة عملا بقول الله عز وجل: «وخاب كل جبار عنيد «، وتحول دون تولي الحاكم الفرعون المتجبر الطاغي، وتحول دون «القارونية» الكانزة لمال الله عن عباد الله، و»الهامانية» وهم وزراء السوء.
ونادى الشيخ القرضاوي بحكم تحكم فيه الشعوب نفسها، محاط بقيود وضوابط محكمة تقر بأن الحاكمية العليا لله عز وجل.
وأكد أن السلطة العليا المطلقة والحاكمية في التشريع تكون لله عز وجل. وبيَّن أنه لا يجوز للحاكم أن يغير الأسس والقواعد الأساسية وأصول التشريع والقطعيات، لأنه مقيد بوجوب الحاكمية لله، وبالرضوخ لإجماع وإرادة الشعب.
وطالب بتربية الشعوب على أن يكون لها رأي ومواقف ضد الظلم والخطأ، وأن تقول «لا» للحكام الخاطئين.
واعتبر الاعتراض على الظلم والخطأ أحد صور تطبيق الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، والتواصي بالحق والصبر، والنصح لأئمة المسلمين.
وذكر أن من حق الناس أن يقفوا عند «الكفر البواح» ويخرجوا على الحاكم ولو بالسلاح.
وأوضح معنى «الكفر البواح» بأنه رؤية المسلم لمعصية محققة فعلها الحاكم أو أمر بها.
ولفت إلى أن كلمة «الكفر» وردت في القرآن والسنة بمعنى المعاصي ومنها الظلم وإضاعة حقوق الناس.
وكشف الشيخ القرضاوي عن أنه يكتب كتابا جديدا يبين ضرورة تربية الأمة ضد الظالمين.
* المسفر: إسقاط الطغاة أفضل نهي عن المنكر
اعتبر د. محمد صالح المسفر أستاذ العلوم السياسية بجامعة قطر أن إسقاط الحكام الطغاة وإقامة حكم ديمقراطي عادل أفضل أمر بالمعروف ونهي عن المنكر.
وجزم -في كلمة ألقاها بندوة اتحاد العلماء- بأن هناك التباسا في فهم مسؤولية الحكام تجاه محكوميهم، وأن الحكام العرب لا يعرفون واجباتهم تجاه شعوبهم.
وقال: «إن حكامنا يعتبرون دولهم ملكا خاصا يجوز لهم أن يفعلوا فيه ما يشاؤون، ولا يعرفون أنهم زعماء دول لها مكوناتها، وأن عليهم واجبات والتزامات تجاه شعوبهم». وأشار إلى أن العلاقة بين الحكام والمحكومين يحددها أمران:
الأول: طاعة الشعب للحاكم والانقياد له إذا التزم بالبيعة -الشروط التي تم اختياره على أساسها-.
الثاني: وجوب الخروج على الحاكم وعزله إذا لم يلتزم بالبيعة التي تم اختياره على أساسها. ووصف المسفر الثورات التي حدثت في مصر وتونس وتحدث حاليا في ليبيا بـ «الزلزال».
وذكر أن سببها الأول يرجع لفقدان التواصل بين الحكام والمحكومين. وقال إن البركان الشعبي الذي انفجر في دول عربية حدث نتيجة القهر والطغيان ونسيان واقع الشعوب وحاجاتها.
وعاب على الحكام العرب افتقادهم للنصح والمشورة.
* القرة داغي: إصلاح السياسة والتعليم البدايةلتصحيح مسيرة الأمة
اعتبر د.علي محيي الدين القرة داغي الأمين العام للاتحاد العالمي لعلماء المسلمين إصلاح النظامين السياسي والتعليمي في الدول الإسلامية الطريق الصحيح لتصحيح مسيرة الأمة.
وبارك د. القرة داغي -خلال مشاركته بندوة اتحاد العلماء- ثورتي تونس ومصر متمنيا لهما التوفيق، ودعا للثورتين اليمنية والليبية بالنجاح.
وعرض ثلاثة أمور تحدد العلاقة بين الحاكم والمحكوم أو بين الراعي والرعية في ظل مبادئ الإسلام.
* الأمر الأول: الالتزام بالنظام العام الإسلامي، وحدد «8» معالم شرعية له على النحو التالي:
- الالتزام بالعدل وعدم الظلم والطغيان، مشيراً إلى أن 800 آية في القرآن الكريم تؤكد أهمية تطبيق العدل.
- الأمة مصدر المراقبة والمحاكمة.
- المساواة بين أفراد الشعب.
- لا ميزة للحاكم على المحكومين.
- مشاورة الحاكم للأمة.
- الأخذ بنصيحة الشعب والاستجابة للأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.
- توفير حرية الرأي والتعبير والاعتقاد.
* الأمر الثاني هو وجود عقد أو ميثاق أو دستور يحكم العلاقة بين الراعي والرعية، انطلاقا من أن الحاكم أجير عند الشعب.
* الأمر الثالث: الالتزام بالقيم الدينية والإنسانية التي فطر الله تعالى الناس عليها.
وشدد القرة داغي على ضرورة الانسجام وعدم التعارض بين القضايا السياسية والنصوص القرآنية والأحاديث النبوية.
ووصف الثورات الشعبية بأنها ترجمة لعدم رضا الأمة عن الحكام، مؤكداً على حق الشعب في فسخ العقد مع الحاكم الظالم والفاسق، مبينا أن ظلم الحاكم يبطل عقد توليه للحكم.
واعتبر الثورات الشعبية نهجاً شرعياً يدخل في باب تغيير المنكر بشرط ألا تتطور إلى العنف واستخدام السلاح وسفك الدماء ونشر الفساد وزعزعة أمن المجتمع.
وأكد أن الشعوب العربية والإسلامية قادرة على التغيير السلمي للحكام الظالمين دون اللجوء لرفع السلاح، مستشهدا بما حدث في الثورة الإسلامية في إيران، والثورتين المصرية والتونسية